سئم الثعلب من مطاردة الصياد له فقرر وقد أتعبه التفلت منه أن يلتجأ إلى بستان كان يعرفه، وعندما وصل إلى ذلك البستان رأى صاحبه واقفا بالقرب من باب منزله الواقع على طرفه ، فطلب إليه أن يمنحه ملجأ وأخبره بأمر الصياد .
لم يتوان الصياد بأن يشير إليه إلى مكان المخزن المنعزل في أطراف البستان كي يجد لنفسه فيه ملجأ ، مشيرا إلى أنه المكان الأمثل له كي يأوي إليه ريثما يزول خطر الصياد الذي لا يمل من مطاردته .
لم ينتظر الثعلب طويلا ، بل انطلق على الفور إلى ذلك المأوى الذي لم يعد أمامه من الوقت ما يكفيه ليبحث لنفسه عن مكان آخر سواه ، واتخذ له مكانا في إحدى زواياه بحيث يمكن له وبسهولة أن يراقب كل حركة وسكنة في الخارج من حيث هو جالس في مخبئه .
ما لبث الصياد أن وطأت أقدامه أرض البستان ، حيث كان لمح الثعلب يقصده ،ثم سأل البستاني ما إذا كان رأى الثعلب .
بلهجة تعمد البستاني أن تكون غريبة ملفقة راح ينكر أنه رآه لا اليوم ولا في الأمس ، وقد تعمد رفع صوته بحيث يوهم الثعلب بصدق قوله فيطمئن إلى ذلك ، في حين راح ذلك الغبي يؤشر بأصبعه إلى مكان اختباء الثعلب ، تلك الإشارة لم يكن الصياد ليفهما أو تلفت انتباهه فشكر البستاني وانطلق متابعا رحلة بحثه ، في حين كانت تلك الإشارة الخبيثة واضحة بينة للثعلب الماكر الذي يراقب من مخبئه كل شيء .
ما إن ابتعد الصياد عن الحقل حتى خرج الثعلب من مخبئه ، ثم مر من أمام صاحب البستان من غير أن يلتفت إليه أو ينبس ببنت شفة وكأن الرجل غير موجود، وعندما ابتعد خطوات قليلة عنه ناداه منكرا عليه تنكره لجميله له ، ومغادرته مخبئه الذي وفره له من غير أن يشكره على حسن صنيعه ، فالتفت الثعلب إليه قائلا :
أجل ... لقد كنت تستحق مني كل العرفان وأحلى كلمات الشكر في حال واحدة فقط .. لو أن كلماتك التي تتفوه بها بملء فمك تشابه أفعالك أو تماثلها..